Make Money Blogging

شريط العناوين

13 مايو 2011

لكن من يجـرؤ على العـزاء يا أبا عبد الله




لكن من يجـرؤ على العـزاء يا أبا عبد الله

بقلم : محجوب فضل بدري - صحيفة الانتباهة السودانية

٭ حزينٌ أنا فلو كنت أعلم إن هناك من يجرؤ على تقديم العزاء لنصبت سرادقا يملأ كل ساحات بلادي لوفود المعزين في مقتل الشيخ أسامة بن لادن .. لكنني أعلم أن جهات كثيرة أحسن إليها لن تجرؤ علي «احتسابه عند الله تعالى»!!  وأن من أثروا واكتنزوا الأمول وامتلكوا الشركات والعقارات بفضل أبي عبد الله سيتنكرون اليوم لذكراه وسيتبرأون من أية صلة لهم به.. وهذا مصدر حزني الأساسي إذ إن أسامة لا بواكي له .. طبت حياً وميتاً يا أبا عبد الله..
٭ فشلت كل الجهود التي بذلت على مدى ثلاثة أيام كاملة لإقناع الشيخ أسامة بمقابلة السيد الرئيس عمر البشير قبل مغادرته بلادنا، إذ استعصم الشيخ بموقفه معتذراً عن تلك المقابلة التي لم تتم مخافة أن يحرج موقف السيد الرئيس الذي يكن له كل المحبة والتقدير، فغادر بلادنا بكل هدوء بعد أن سحبت السلطات السعودية جواز سفره وحرمته من «التابعية»!!
وهو غير آبه بتلك الوريقات التي تحجم شخصيته العالمية .. رجلٌ ضد دولة أو دولة ضد رجل .. إلا أنه رجلٌ ضد الظلم وانتهاك محارم الله .. رجل مجاهد في سبيل إعلاء كلمة لا الله إلا الله أو يسقط دونها .. رجلٌ فكره .. أن أسامة كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين .. شاكراً لأنعم الله .. صادقاً للحق صواماً قواماً حيياً كريماً لا يخشى في الله لومة لائم.
٭ أكرمني المولى عزَّ وجل بالعمل إلى جانبه سنين عددا من خلال رئاستي لأمانة الإعلام باللجنة القومية العليا لطريق التحدي الجيلى شندي عطبرة الذي نفذته شركة الهجرة التي يمتلك الشيخ أسامة نصف أسهمها وتمتلك الحكومة نصفها الآخر، فبعدما فرغت شركة وادي العقيق المملوكة للشيخ أسامة بن لادن من تنفيذ مطار بورتسودان الدولي تكونت شركة الهجرة.
وأشهد الله بأن الشيخ أسامة قد أوفى بكل التزاماته وزاد عليها، بينما كانت الحكومة تتعثر في الوفاء في ما يليها من أسهم، لكن ذلك لم يثنِ الشيخ عن المضي قدماً في تنفيذ الطريق الذي صممته شركة سبدو الايطالية بكلفةٍ عالية، وأدخل الشيخ بعبقريته الفذة نظام المزلقانات بديلاً من الجسور تفادياً لكلفتها العالية، فعندما درس معدل هطول الأمطار في المنطقة تبين له أن الأودية والخيران تجري فيها المياه بمتوسط عشرين دقيقة في العام على مدى الخمسين عاماً الماضية .. فقال لنستبدل الجسور بالمزلقانات حتى يقيض الله لكم ميزانية تحتمل بناء جسور .. وقد كان .. عندما خصص قطاعاً كاملاً من الشركة للإعمال الأسمنتية فصممت العبَّارات الأنبوبية والصندوقية والكباري الصغيرة والمزلقانات وأبقى على بعض الكباري في وادي العروس والعوتيب .. وشيد على نفقته الخاصة بعض الطرق الفرعية الرابطة بين الطريق القومي والمدن التي يمر بها مثل مدينة شندي والدامر وغيرهما.
٭ حزينٌ أنا على فقد أسامة بن لادن الشيخ الزاهد العابد الجواد الكريم الذي اكتسبت محبته ولم اتكسب من علاقتي معه درهماً ولا ديناراً .. لكنه كان مُلهِماً .. أكلت معه فكان يجيد المضغ ويطيله ولا يتجاوز أكله لقيمات يقمن صلبه.. كان من الفرحين بتحرير توريت، إذ تبرع بمليون دولار للقوات المسلحة، وعاد لمنزله في الرياض الذي يفترش فيه الأرض، إذ لا أرائك ولا مقاعد ولا مناضد ولا أسرَّة ولا ستائر، وكان طعام الغداء في ذلك اليوم فاصوليا !! رجلٌ يتبرع بمليون دولار ويتغدى على الفاصوليا !! 
والله العظيم لو بلغني نبأ موته قبل زواج ابنَّي محمد ومجاهد لألغيت حفل الزفاف ووليمة العرس حزناً ألا أجد ما أعبر به عن حزني وبثي وأشكو إلى الله بني جلدتي وعقيدتي الذين أعانوا القتلة المجرمين الذين يهدرون دماء النساء والأطفال والشيوخ والعجزة في كل مكان .. ويظهرون أحزانهم على موت كلبٍ أليف أو قطه مدللة.. أو يطلقون سراح ديك رومي اعتادوا على ذبحه في أعيادهم ثم تهلل أبواق الإعلام « بإنسانية الرئيس » الذي لم يشأ أن يذبح الديك الرومي في تلك المناسبة .. ولا يتورع في ذات الوقت عن إصدار أوامره بقتل الناس في أي مكان بحجة محاربة الإرهاب!!..
٭ حزينٌ أنا أن تحمل الأيدي النجسة جسد الشيخ الطاهر المتوضئ المغسول بالثلج والماء والبرد.. ليعملوا فيه مشارطهم ويفحصوا حمضه النووي ويعيدون خياطة جسده وتصويره ميتاً بلا احترام لقدسية الموت، ويعرضونه في صالاتهم وشاشاتهم فرحين بجريمتهم التي أجهدوا أنفسهم وأموالهم وعملائهم عشر سنوات قبل أن يظفروا بأسد العروبة والإسلام «يا ويلهم رفعوا مناراً من دم يقضي على جيل الغد البغضاء».
٭ حزينٌ أنا على رجل سافرت معه متابعاً لمراحل تنفيذ طريق التحدي فكان نعم الرفيق .. مرَّ موكب والي الولاية الجيلي أحمد الشريف على عربة المحاسب بالشركة محمد خير وقد غرست في الرمال على جانب الطريق، وكنا نسير خلف عربة الشيخ أسامة الذي أمر سائقه بالتوقف وترجل عن عربته وربط جلبابه في وسطه وجثا على ركبتيه يجلو الرمال عن إطارات السيارة العالقة، ثم تولى قيادة البوكس حتى خلصه من الوحل، وقام ينفض التراب عن لحيته وجلبابه، 
٭ حزينٌ أنا على رجلٍ زاهد متواضع ، ففي الاحتفال المصغر الذي أقامته اللجنة بمنطقة كبوشية احتفالاً بوصول الطريق إليها ، وكانت هدية اللجنة للشيخ أسامه  
« فرساً » اشترتها اللجنة وأكملت تجهيزها وقدمتها له في الاحتفال، فقام من مكانه ومسح على عنق الفرس وعرفها وقال «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.. لكن هذه أسرفتم في زينتها» ولم يركبها حسب البرنامج، فركب ابنه الصبي عليها نيابة عنه.. حزينٌ أنا على رجلٍ كريم اشتكى له عامل من أن الشركة فصلته عن عمله بعد شهر واحد من تعيينه، فأمر له بمرتب عام كامل جبراً لضرره!!.. 
حزينٌ أنا على رجل لاذ بنا فخنسنا عن نصرته.. صحيح إننا لم نطرده ومنحناه جواز سفر، لكننا أبلغناه من طرف خفي بأن بلادنا لا تحتمل وجوده على أرضها، فلم يتردد في مغادرتها مخلفاً حقوقه وأمواله وأعماله الاستثمارية التي أثرى منها البعض..!! واكتفى هو بما عند الله وما عند الله خيرٌ وأبقى.. حزينٌ أنا على عجزنا وخيبتنا واستسلامنا لإرادة قوى البغي والفجور.. بينما كان الرجل يعيننا على تشييد البنية التحتية لدولة المشروع الحضاري!! ولم يُقم معسكرات للتدريب على السلاح، ولم يطلب إلينا استيعاب العرب الأفغان في بلادنا.. رجلٌ ركل الدنيا كل الدنيا وهو من هو ثراءً وغنىً وأعمالاً مجزية وأسرة تمتد ممتلكاتها في كل مكان بما يتيح له العيش الرغد والحياة المترفة والنعيم والحبور والسرور، لكنه استبدل كل ذلك في سبيل المسيرة القاصدة إلى الله.
واكتفى بالكهوف والحُصُر والسير على الأقدام، وهو الذي يعاني من الفشل الكلوي وأمراض أخرى يطير أصحابها إلى مستشفيات العالم طلباً للعافية والسلامة وطول الحياة.. وهو موقن بأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر فمات واقفاً كما الأشجار.
٭ وبمقدار أحزاني فرحٌ أنا بألا يموت الشيخ على فراشه كما يموت البعير .. فرحٌ أنا إذ ينال أبو عبد الله الشهادة التي طالما سعى لها.. فرحٌ أنا لموت رجل تُجيش لاغتياله الجيوش وتُنفق المليارات ويُجند آلاف العملاء وتُطير أسراب الطائرات لاستهداف جسده البالي لعشرة أعوام انتشرت فيها فكرة القاعدة التي لا يتولى بن لادن فيها منصباً قيادياً أو وظيفة تنظيمية في جسم لا وجود له.. إنها فكرة ألهمت شباباً كُثراً في شتى بقاع العالم دون أن يلتقوا بالشيخ يوماً.. أنها فكرة عصية على الاستئصال ولئن مات بن لادن أو قتل فلن ينقلبوا على أعقابهم وسيجزي الله الشاكرين .. وكأين من نبي قُتل أو قاتل معه ربيون أو ربانيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين .. وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .. فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين.. وقد أحسن الشيخ أسامة عملاً عندما اتخذ الجهاد في سبيل الله طريقاً عندما أغلقت قوى الاستكبار كل الطرق التي تؤدي إلى رفع الظلم وتحرير الأرض وحفظ الحقوق المشروعة للشعوب المغلوبة على أمرها..
٭ فرحٌ أنا لأن الحق قديم وأن الذين كفروا سيغلبون ويحشرون إلى جهنم وبئس المهاد .. وأن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار.
طبت حياً وميتاً يا أبا عبد الله .. ولكن من يجرؤ على تقديم العزاء لأهلك وأحبابك وتلاميذك، فأنت كحمزة بن عبد المطلب لا بواكي لك.. وسيلتقمك الحوت بعدما يلقون بجسدك الطاهر في مياه البحر ليلبث في بطنه إلى يوم يبعثون.. يوم يقوم الناس لرب العالمين .

المصدر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Affiliate Program ”Get Money from your Website”