العناد ظاهرة معروفة في سلوك بعض الأطفال ، حيث يرفض الطفل ما يؤمر
به أو يصر على تصرف ما ، ويتميز العناد بالإصرار وعدم التراجع حتى في حالة الإكراه
، وهو من اضطرابات السلوك الشائعة ، وقد يحدث لمدة وجيزة أو مرحلة عابرة أو يكون
نمطاً متواصلاً وصفة ثابتة وسلوكاً وشخصية للطفل .
* متى يبدأ العناد ؟
العناد ظاهرة سلوكية تبدأ في مرحلة مبكرة من العمر , فالطفل قبل سنتين
من العمر لا تظهر مؤشرات العناد في سلوكه ؛ لأنه يعتمد اعتماداً كلياً على الأم أو
غيرها ممن يوفرون له حاجاته ؛ فيكون موقفه متسماً بالحياد والاتكالية والمرونة
والانقياد النسبي.
وللعناد مرحلة أولى : حينما يتمكن الطفل من المشي والكلام
قبل سن الثلاث سنوات من العمر أو بعد السنتين الأوليين ؛ وذلك نتيجة لشعوره
بالاستقلالية , ونتيجة لنمو تصوراته الذهنية ، فيرتبط العناد بما يجول في رأسه من
خيال ورغبات .
أما المرحلة الثانية : فهي العناد في مرحلة المراهقة ؛ حيث
يأتي العناد تعبيراً للانفصال عن الوالدين ، ولكن عموماً وبمرور الوقت يكتشف الطفل
أو المراهق أن العناد والتحدي ليسا هما الطريق السوي لتحقيق مطالبه ؛ فيتعلم
العادات الاجتماعية السوية في الأخذ والعطاء ، ويكتشف أن التعاون والتفاهم يفتحان
آفاقاً جديدةً في الخبرات والمهارات الجديدة ، خصوصاً إذا كان الأبوان يعاملان
الطفل بشيء من المرونة والتفاهم وفتح باب الحوار معه ، مع وجود الحنان الحازم .
* وللعناد أشكال كثيرة :
- عناد التصميم
والإرادة :
وهذا العناد يجب أن يُشجَّع ويُدعَّم ؛ لأنه نوع من التصميم ، فقد
نرى الطفل يُصر على تكرار محاولته ، كأن يصر على محاولة إصلاح لعبة ، وإذا فشل
يصيح مصراً على تكرار محاولته .
-
العناد المفتقد للوعي :
يكون بتصميم الطفل على رغبته دون النظر إلى العواقب المترتبة على
هذا العناد ، فهو عناد أرعن , كأن يصر الطفل على استكمال مشاهدة فيلم تلفازي
بالرغم من محاولة إقناع أمه له بالنوم ؛ حتى يتمكن من الاستيقاظ صباحاً للذهاب إلى
المدرسة .
-
العناد مع النفس :
نرى الطفل يحاول أن يعاند نفسه ويعذبها ، ويصبح في صراع داخلي مع
نفسه ، فقد يغتاظ الطفل من أمه ؛ فيرفض الطعام وهو جائع ، برغم محاولات أمه وطلبها
إليه تناول الطعام ، وهو يظن بفعله هذا أنه يعذب نفسه بالتَّضوُّر جوعاً .
- العناد اضطراب سلوكي
:
الطفل يرغب في المعاكسة والمشاكسة ومعارضة الآخرين , فهو يعتاد
العناد وسيلةً متواصلة ونمطاً راسخاً وصفة ثابتة في الشخصية , وهنا يحتاج إلى
استشارة من متخصص .
-
عناد فسيولوجي :
بعض الإصابات العضوية للدماغ مثل أنواع التخلف العقلي يمكن أن يظهر
الطفل معها في مظهر المعاند السلبي .
* أسباب العناد :
العناد صفة مستحبة في مواقفها الطبيعية - حينما لا يكون مبالَغاً
فيه - ومن شأنها تأكيد الثقة بالنفس لدى الأطفال، ومن أسبابها:
-
أوامر الكبار :
التي قد تكون في بعض الأحيان غير مناسبة للواقع ، وقد تؤدي إلى
عواقب سلبية ؛ مما يدفع الطفل إلى العناد ردَّ فعل للقمع الأبوي الذي أرغمه على
شيء , كأن تصر الأم على أن يرتدي الطفل معطفاً ثقيلاً يعرقل حركته في أثناء اللعب ،
وربما يسبب عدم فوزه في السباق مع أصدقائه ، أو أن يكون لونه مخالفاً للون الزيِّ
المدرسي ، وهذا قد يسبب له التأنيب في المدرسة ؛ ولذلك يرفض لبسه ، والأهل لم
يدركوا هذه الأبعاد .
- التشبه بالكبار :
قد يلجأ الطفل إلى التصميم والإصرار على رأيه متشبهاً بأبيه أو أمه
، عندما يصممان على أن يفعل الطفل شيئاً أو ينفذ أمراً ما ، دون إقناعه بسبب أو
جدوى هذا الأمر المطلوب منه تنفيذه .
- رغبة الطفل في تأكيد ذاته :
إن الطفل يمر بمراحل للنمو النفسي ، وحينما تبدو عليه علامات
العناد غير المبالَغ فيه فإن ذلك يشير إلى مرحلة النمو , وهذه تساعد الطفل على
الاستقرار واكتشاف نفسه وقدرته على التأثير , ومع الوقت سوف يتعلم أن العناد
والتحدي ليسا بالطرق السوية لتحقيق المطالب .
- التدخل بصفة مستمرة
من جانب الآباء وعدم المرونة في المعاملة :
فالطفل يرفض اللهجة الجافة ، ويتقبل الرجاء ، ويلجأ إلى العناد مع
محاولات تقييد حركته ، ومنعه من مزاولة ما يرغب دون محاولة إقناع له .
- الاتكالية :
قد يظهر العناد ردَّ فعل من الطفل ضد الاعتماد الزائد على الأم ،
أو الاعتماد الزائد على المربية أو الخادمة .
- الشعور بالعجز :
إن معاناة الطفل وشعوره بوطأة خبرات الطفولة , أو مواجهته لصدمات ,
أو إعاقات مزمنة تجعل العناد وسيلة لمواجهة الشعور بالعجز والقصور والمعاناة .
- الدعم والاستجابة لسلوك العناد :
إن تلبية مطالب الطفل ورغباته نتيجة ممارسته للعناد , تُعلِّمه
سلوك العناد وتدعمه ، ويصبح أحد الأساليب التي تمكِّنه من تحقيق أغراضه ورغباته .
* كيف تتعاملين مع الطفل العنيد ؟
يقول علماء التربية :
كثيراً ما يكون الآباء والأمهات هم السبب في تأصيل العناد لدى
الأطفال ؛ فالطفل يولد ولا يعرف شيئاً عن العناد ، فالأم تعامل أطفالها بحب وتتصور
أن من التربية عدم تحقيق كل طلبات الطفل، في حين أن الطفل يصر عليها ، وهي أيضاً
تصر على العكس فيتربى الطفل على العناد وفي هذه الحالة يُفضَّل :
- البعد
عن إرغام الطفل على الطاعة , واللجوء إلى دفء المعاملة اللينة والمرونة في الموقف ,
فالعناد اليسير يمكن أن نغض الطرف عنه ، ونستجيب لما يريد هذا الطفل ، ما دام
تحقيق رغبته لن يأتي بضرر ، وما دامت هذه الرغبة في حدود المقبول .
- شغل
الطفل بشيء آخر والتمويه عليه إذا كان صغيراً , ومناقشته والتفاهم معه إذا كان
كبيراً .
- الحوار
الدافئ المقنع غير المؤجل من أنجح الأساليب عند ظهور موقف العناد ؛ حيث إن إرجاء
الحوار إلى وقت لاحق يُشعر الطفل أنه قد ربح المعركة دون وجه حق .
- العقاب
عند وقوع العناد مباشرة ، بشرط معرفة نوع العقاب الذي يجدي مع هذا الطفل بالذات ؛
لأن نوع العقاب يختلف في تأثيره من طفل إلى آخر , فالعقاب بالحرمان أو عدم الخروج
أو عدم ممارسة أشياء محببة قد تعطي ثماراً عند طفل ولا تجدي مع طفل آخر ، ولكن لا
تستخدمي أسلوب الضرب والشتائم ؛ فإنها لن تجدي ، ولكنها قد تشعره بالمهانة
والانكسار .
- عدم
صياغة طلباتنا من الطفل بطريقة تشعره بأننا نتوقع منه الرفض ؛ لأن ذلك يفتح أمامه
الطريق لعدم الاستجابة والعناد .
- عدم
وصفه بالعناد على مسمع منه , أو مقارنته بأطفال آخرين بقولنا : (إنهم ليسوا عنيدين
مثلك) .
- امدحي طفلك عندما يكون جيداً ، وعندما يُظهر بادرة حسنة في أي
تصرف , وكوني واقعية عند تحديد طلباتك .
وأخيراً لابد من إدراك أن معاملة الطفل العنيد ليست بالأمر السهل ؛
فهي تتطلب الحكمة والصبر ، وعدم اليأس أو الاستسلام للأمر الواقع .
الدكتورة
دعاء العدوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق